قال
تبارك وتعالى في القرآن الكريم: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ (الأحزاب:39) صدق
العلي العظيم.
الإمام الحسين
المبلغ الرسالي.
الإمام الحسين
مصداق جلي للمبلغين لرسالات
، الذين لا يخشون أحداً إلاّ
، فقد حفظ
بثورته الإسلام وجعل المنتمين له يعملون لصالحه وفي توسعة رقعة العالم الإسلامي، ولا يستطيع أحد أن يعرف الآثار المترتبة على ثورة إمامنا الحسين
إلاّ عندما يقرأ التاريخ ويرقُب حركة الأمويين، فيتعرف على الممارسات البشعة في حق الإسلام كمنهج عملي لهم، غير أنّ الإمام الحسين
استطاع أن يغير مسار المنهج الأموي ليصب في صالح الإسلام، وذلك أنّ الأمويين خططوا للقضاء على الإسلام ومحو شرع
تعالى.
زعماء المنهج الأموي.
وقد صدرت كلمات متعددة من زعماء الأمويين تُدلل على مخططهم في القضاء على الإسلام، سنستعرض ثلاث كلمات لشخصياتهم :
الأولى: أبو سفيان.فقد قال أبو سفيان عندما وصلت الخلافة إليهم: (يا بني أُمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة)، وهذا نص واضح في إنكار المعاد وهو إنكار للشريعة الإسلامية.
الثانية: معاوية بن أبي سفيان.
وما صدر عن معاوية لا يقل عما صدر عن أبيه، فقد سمع المؤذن يقول: ( أشهد أنّ محمداً رسول
) فقال: (لله أبوك يا بن عبد
، لقد كنت عالي الهمة، ما رضيت لنفسك إلا أن تَقرُن اسمك باسم رب العالمين)، وهذا النص يبين أنّ معاوية يعتبر الرسالة الإسلامية تمثل تخطيطاً من لدن النبي صلى
عليه وآله لغلبة الحزب الأموي باعتبار أنّ الأمويين والهاشميين كانوا في صراع بين الفضيلة والرذيلة، والحق والباطل، فالهاشميون يمثلون الحق والفضيلة والقيم، والأمويون يمثلون الرذيلة والانحطاط في الأخلاق وتجارة الرقيق الأبيض، فللأمويين منهج يعادي الحق، وكان معاوية يعتقد أنّ شعائر الإسلام جاء بها النبي صلى
عليه وآله للقضاء على الحزب الأموي باعتبار أنه صلى
عليه وآله يريد التأكيد على القيم التي يُؤمن بها الهاشميون، فنسب صلى
عليه وآله نفسه إلى السماء.
الثالثة: يزيد بن معاوية.
واستمر المنهج الأموي لمحاربة الإسلام على يد يزيد، ولعل الأبيات التي تمثّل بها:
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
تُدلل على النهج الأموي.المنهج الأموي والقضاء على الإسلام.
سعى الإمام الحسين
لمقارعة المنهج الأموي، الذي لا يمثل بُرهة زمنية محدودة كقيادة حاكم منحرف ثم موته ليخلفه آخر دون أن يتجذر ذلك الانحراف في العقائد والأفكار والرؤى والمفاهيم، وقد أدرك الأمويون كساسة وقادة أنهم لا يتمكنون من القضاء على الشريعة الإسلامية فأبدلوا التخطيط إلى آخر يصب في صالح المنفعة الذاتية للبيت الأموي وللمقربين منهم، فقاموا بتحريف بعض أحكام الشرع الحنيف ليصب ذلك في صالح الحزب الأموي.
البعد الديني للمنهج الحسيني.
إنّ تغيير الخطة الأموية وتبديل المنهج من القضاء على الإسلام واجتثاث أصول العقيدة إلى المنفعة الذاتية وإنْ أبقى الأمة الإسلامية في التخلف والمحسوبيات، إلا أنه حقق مكاسب كبيرة للإسلام، وفتح الباب أمام المخلصين والغيارى من الأمة ليتحركوا لنصرة الإسلام والإبقاء عليه، فكانت الثورة الحسينية متميزة بقيادتها الحكيمة، فالإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء، وما كان للإسلام أن يبقى لولا ثورة الإمام الحسين
.
النتائج الوخيمة لخلافة يزيد.
جسّد يزيد بن معاوية الظلم والانحراف بكل صوره، وتجلى ذلك بوضوح في سنوات خلافته، ففي السنة الأولى قتل الإمام الحسين
، وفي الثانية حدثت واقعة الحرة في المدينة - العاصمة الدينية المقدسة للمسلمين أُبّان تلك الفترة لما يتواجد فيها من صحابة النبي صلى
عليه وآله والتابعين وطلائع الأمة - وقام يزيد بإذلال المسلمين وإباحة المدينة لجيشه، الذي اعتدى على النساء والأعراض، ولم يبقِ لأحد حرمة، وأخذ البيعة من أهل المدينة كعبيد أرقاء له شخصياً ومن لم يقبل ذلك يُقتل، وفي السنة الثالثة رمى الكعبة المنجنيق - المدفعية في ذلك الزمان - وأحرقها وهدمها، وهذا ينم عن منهج مخطط له يراد به استعباد الأمة وتغيير مسارها من مسار توحيدي يخضع للقرآن الكريم وما جاء به المصطفى صلى
عليه وآله إلى مسار أموي بحت لا يؤمن بوجود شريعة.
آثار الثورة الحسينية.
ولما ثأر الإمام الحسين
ترتب على ثورته فوائد جليلة أهمها:
الأول: إيقاض الأمة.فأُول ثمرة تحققت ببركة الثورة الحسينية يقظة ضمير الأمة، فأصبحت تُرجح المبادئ والقيم والآخرة على الدنيا وما فيها، ثم توالت الثورات متعددة ومتأثرة بثورته
مما أدى أن يُغير الأمويون منهجهم المحارب للإسلام إلى إبراز أنفسهم كدعاة للإسلام كي لا يُقضى عليهم، وهذا التغيير في المسار أثر من الآثار المباركة لثورة الإمام
.
الثاني :تغيير الخطة الأموية.مرّ علينا في الكلمات التي صدرت ودونها التأريخ عن زعماء الأمويين التشكيك في الشريعة الإسلامية وإذا كان حال خلفاء المسلمين وحكامهم آنذاك عدم الإيمان بالإسلام، فكيف يؤمن عامة الناس بما لا يؤمن به القادة ؟! غير أنّ هذا المسار تغيّر وسرعان ما أظهر كل حاكم من الأمويين بل وغيرهم أنه يحكم باسم الإسلام، ويسوس الناس من أجل مصلحة المسلمين، وهذا أثر عظيم تحقق بالثورة الحسينية.
الإمام الحسين يستشرف المستقبل.
كلمات الإمام الحسين
التي كان يطلقها - ‹‹ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً، إني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً›› - تبين أنه
كان يستشرف المستقبل ويرى أنّ بقاء الحكم الأموي على ما هو عليه وتطبيقه لخططه المشؤومة لن تبقي للإسلام أثراً، فما كان منه
إلاّ أن يثور ويقاوم الانحراف الذي سيقضي على أسس الإسلام، بحيث لا يبقى منه إلا ما كتبه التأريخ من أنّ هناك شريعة جاءت وآمن بها الناس برهة زمنية محدودة ثم انقلبوا عنها.
إفشال المخطط الأموي.
فثورة الإمام الحسين
تغيير مسار، يمكن أن نُعبر عنها، فنقول: إنّ الإمام الحسين
دفع أكبر الضررين على الإسلام، ففرقٌ بين أن يخطط الأمويون للحصول على منافعهم من ناحية مادية لتوافر الأمور لهم وبين أن يخططوا للقضاء على الإسلام، فالإمام
ثار ليغير المسار الأول، وإن بقي الحكام يحصلون على مصالحهم المادية، فلن يضر ذلك الشريعة وبقاء الإسلام، بل أنّ الدين وإنْ مرض على يد الأمويين إلاّ أنه سيشفى لأنّ مفاهيم الشريعة الإسلامية ستبقى راسخة باقية وإنْ لم تأخذ الفاعلية والحيوية في أذهان الأمة الإسلامية إلاّ أنه سيتاح للمسلم الواعي لدوره الرسالي التعرف على الهدف من هذه الشريعة والغاية من خلق الإنسان، وسيصحح مساره، ولن يؤثر ذلك الحكم عليه، وإنْ أثّر على بعض المفاهيم، إلا أنه لن يؤثر على روح الرسالة، بل ستبقى صالحة لكل الأجيال، وما أحدثه الأمويون من ركام ٍزائف سيتلاشى ليصل الإنسان إلى الحقيقة، ويعي الفكر السليم الذي جسده الحسين وأصحابه
.
الإمام الحسين يواجه الطغيان الأموي.
فثورة الحسين
تجسيد لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾(الأحزاب:39) فالإمام
لم يخشَ الأمويين، الذين لم يبقوا لأحد كرامة ولا ذمة، بقتل واستئصال شأفة المعارضة، وأخذ البيعة من الصحابة والتابعين وشخصيات المجتمع ليكونوا عبيد أرقاء ليزيد، ومن يخالف ذلك مصيره القتل، غير أنّ ثورة الإمام الحسين
قلبت تخطيط الأمويين وجعلتهم يهتمون بمنافعهم ومصالحهم، وهذا ما عليه الحال إلى يوم الناس هذا، فمن يصل إلى الحكم لا يستطيع أن يُعلن معارضته للإسلام، حتى إذا لم يكن مؤمناً به كدين، وأقصى ما يستطيع أن يحققه الحصول على منافعه الشخصية.
---------------
فسلام على إمامنا الحسين
يوم وُلد ويوم استشهد مخلداً لديننا الإسلامي ولشرائع الأنبياء والرسل وقيم الفضيلة والحق التي ستؤمن بها البشرية جمعاء، وصلى
وسلم وزاد وبارك على سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين.
منقول من شبكة الفجر الثقافيه