اعرفوا ناصر الرسول صل عليه واله ومؤمن قريش
وكافل النبي
وابو عليا وهو أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأمه فاطمة بنت عمرو من بني مخزوم.
كان عبد المطلب أول من طيّب غار حراء بذكر ، فإذا استهل رمضان صعد حراء وأطعم المساكين ورفع من مائدته إلى الطير والوحوش في رؤوس الجبال. وهو وحده الذي يدبر أمر السقاية ورعاية الحجاج، فقد حفر بئر زمزم بين الوثنين بعدما جاءه الهاتف:
"أحفر زمزم..لا تنزف أبداً ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النحل.."
وهو الذي أراد ذبح أحد أبناءه العشرة وفاء بنذره وتقع القرعة على عبد والد النبي وكان أحبهم إليه، فيعرض بني مخزوم أموالهم كلها فداء لعبد، ثم يفتديه عبد المطلب بعشر من الإبل، ويعود عبد منتصراً بعد هذه الطاعة لله ولأبيه. (أسندوا خبرا إلى أمير المؤمنين أنه قال قال رسول صلى عليه وآله وسلم قال لي جبرئيل إن مشفعك في ستة بطن حملتك آمنه بنت وهب وصلب أنزلك عبد بن عبد المطلب وحجر كفلك أبي طالب وبيت آواك عبد المطلب وأخ كان لك في الجاهلية... وقد نقل الناس كافه عن رسول صلى عليه وآله وسلم أنه قال نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية فوجب بهذا أن يكون آباؤهم كلهم منزهين عن الشرك)(البحار ج35ص156روايه85باب3). * ألقـابـه *
أشـهرها: شيخ البطحاء، شيخ الأباطح، ومؤمن قريش.
* نشـأتـه *
نشأ أبو طالب في بيت كريم ورأى في أبيه عبد المطلب ذلك الزعيم المطاع والرجل المهوب والذي لُقب بالفيّاض ومطعم طير السماء وهو مرضيٌّ عنه في السماء ومحمود في الأرض فدُعي "شيبة الحمد"، وهو عميق الإيمان لم يفارق الحنيفية البيضاء ولم يخالجه الشك في ما جاءت به ملة إبراهيم وصدق دعوته التي وحد فيها الرب الأعظم، فهو يرفض أن يسجد لصنم، وإنه ليُحرّم الخمر على نفسه ويحرّم نكاح المحارم، ويحدد الطواف بالبيت سبع مرات بعد أن كان غير محدودة ويحرم الزنا وينهى عن الموؤدة، وأن يؤكل ما ذُبح على النُّصب ويسن الوفاء بالنذر…… ويجيء الإسلام فيُقر كل هذه السنن التي سنّها عبد المطلب. وإن أبا طالب ليسمع أباه في نجواه يوم جاء أبرهة لهدم الكعبة:
"م أنيس المستوحشين، ولا وحشة معك فالبيت بيتك، والحرم حرمك والدار دارك، ونحن جيرانك، إنك تمنع عنه ما تشاء، ورب الدار أولى بالدار". ثم أنشأ يقول:
ياربّ لا أرجو لهم سـواكا
يارب فامنع منهمو حِـماكا
إن عدوّ البيت مَن عـاداكا
إمنعهمو أن يخربوا فـناكا
وقد صودرت لعبد المطلب أنعام وكان جوابه:
"أنا ربّ الإبل. وللبيت ربٌّ يحميه"
ثم يدعو وإذا بالطير الأبابيل تحلق في السماء لتقذفهم بالحجارة. وهذا يكشف بوضوح عن إيمان عبد المطلب ب تعالى وتوكله عليه سبحانه. ومما يدل على معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم ذلك الجدب العظيم انقطع فيها الغيث عن مكة فيفزع جمع من بطون مكة لعبد المطلب لعلّه يسأل تعالى فيهم، فكان عبد المطلب عند وعده لهم، فيأمر ابنه أبا طالب أن يحضر المصطفى محمد صلى عليه وآله وسلم وهو رضيع في قماط… وها هو ذا في عرفات والناس وولده حوله وفي حجره الحفيد الحبيب محمد اليتيم صلى عليه وآله وسلم فيضع في يديه ويستقبل الكعبة، ورماه نحو السماء وناجي ربه بقلب يطفح بالعقيدة: "يارب بحق هذا الغلام"، ورماه ثانيا وثالثا وكان يقول: "بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هطلاً" .. فإذا بسحابة دكناء قصدت نحوه وهي جواب دعوته تحول الجدب إلى خصب.. وببركة ذلك النور كان عبد المطلب يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيات الأمور، وكان عبد المطلب لا يأكل طعاماً إلا يقول عليّ بابني ويجلسه بجنبه ويؤثره بأطيب طعامه. وكان عبد المطلب يختلي بولده أبو طالب ويحدثه عمّا سيكون لمحمدٍ هذا اليتيم الصغير من شأن كبير ويوصيه به قائلا:
"يا أبا طالب، إن لهذا الغلام لشأناً عظيماً، …… انصره بيدك ولسانك ومالك."
ويقول له: "قد خلفت في أيديكم الشرف العظيم الذي تطئون به رقاب الناس".
ولمّا مات كان عمر محمد صلى عليه وآله وسلم ثماني سنوات.
* شخصيته *
كان الشخصية الأولى التي تحفل بكل مقومات الزعيم بعد أبيه وانتهج منهجه بعد وفاته، وورث منه ملامحه وخصائصه، فقام بواجبه من سقاية الحاج، وكان المعطاء بغير منّة، والوَصول للرحم، ذو العقل الراجح والنظر البعيد، وله بالتشريع دراية وقد حرّم الخمر على نفسه قبل أن يحرمها القرآن الكريم.
(..عن الصادق عن آبائه أن أمير المؤمنين علي كان جالساً في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك وأبوك معذب في النار. فقال : مه، فض فاك، والذي بعث محمداً بالحق نبياً، لو شفع أبي في كل مذنب على وجد الأرض لشفعه فيهم، أبي يعذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار؟ والذي بعث محمداً بالحق إن نور أبي طالب ليطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار: نور محمد، ونور فاطمة، ونور الحسن، ونور الحسين، ونور ولده من الأئمة، ألا إن نوره من نورنا خلقه من قبل خلق آدم بألفي عام)(بحار الأنوار ج35ص69رواية3باب3). * زواجه من فاطمه بنت اسد
تزوج أبو طالب من فاطمة بنت أسد بن هاشم التي تجتمع معه في النسب في هاشم، وكانت من الهاشميات الفواضل في الكمال والتربية ولم يتزوج غيرها، وقد قال حين خطبها:
"الحمد لله رب العالمين. رب العرش العظيم والمقام الكريم والمشعر والحطيم الذي اصطفانا أعلاماً وسادة وعرفاء خلصاً وقادة………… وقد تزوجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر وأنفذت الأمر فاشهدوا.."
.. فقال أسد ابوها: "زوجناك ورضينا بك..". وأطعم الناس أبو طالب سبعة أيام متتاليات.
كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام، فلما أنزل سبحانه: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ...)(الممتحنة/12).
دعا النبي النساء إلى البيعة وكانت هي أول امرأة بايعت رسول وهاجرت معه إلى المدينة، وحضرت معه بدراً، ثم مرضت وجعلت النبي وصياً عليها، وعند وفاتها تولى النبي دفنها بنفسه وألبسها قميصه واضطجع في قبرها وأنشأ يبكي ويقول: "جزاك خيراً لقد كنت خير أم… إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها………… إني ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها ضغطة القبر". وقد أنجب أبو طالب من الأولاد الذكور طالب وعقيل وجعفر وعلي وهو أصغرهم سنّا، وبنتا وهي أم هاني.
* أبـو طـالب كفيـل الرسـول*
(..عن الأئمة الراشدين من آل محمد صلوات عليهم أنهم سُئلوا عن قول النبي صلى عليه وآله وسلم المتفق على روايته المجمع على صحته: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة". فقالوا: أراد بكافل اليتيم عمه أبا طالب، لأنه كفله يتيما من أبويه، ولم يزل شفيقاً عليه)(بحار الأنوار ج35ص117رواية58باب3). أراد سبحانه من أبو طالب أن يكون كافل نبي الإسلام –الصورة الكاملة للإنسان- فكان أبو طالب كافل محمد اليتيم أولاً، ونصير الرسول وحاميه والمؤمن برسالته ثانياً، بعد موت جده عبد المطلب. فقد اتحدت الروحان حتى كان من الصعب أن يستطيعا فراقاً. فعندما كانت مكة في قحط من احتباس المطر، لجأوا إلى أبا طالب، فخرج لهم ومعه غلام صغير وهو النبي صلى عليه وآله وسلم، فألصق أبو طالب ظهر الغلام بالكعبة، ولاذ الغلام بإصبعه إلى السماء.. فأقبل السحاب، وكثر قطره، فأخصب النادي والبادي. ولما بلغ النبي اثنتي عشرة سنة أخذه أبو طالب معه إلى الشام ليعرفه على عالم وأمم لم يعرف عنها شيئا، وفي هذه السفرة اجتمعا مع الرهبان ومن جملتهم الراهب بحيرا الذي أخبر أبا طالب أن كتبهم أخبرتهم عن نبي عظيم الشأن ودلت على علاماته… وكانت تلك العلامات موجودة بابن أخيه.
ولما بلغ النبي أربع عشرة سنة أحضره عمّه معه في حرب الفجار والتي كانت بين كنانة وقيس وكانت قريش تساعد كنانة.
ولما بلغ النبي الخامسة والعشرين فكّر أبو طالب أن يجعله مستقلاً في الشؤون التي تؤمن مستقبله وكانت في ذلك الوقت خديجة بنت خويلد تاجرة معروفة بصدقها وأمانتها ووجها من وجوه مكة المحبوبة الموثوقة، فجعل أبو طالب علاقة تجارية بينها وبين ابن أخيه ومكنها بينهما.
وظل أبو طالب مع ابن أخيه على تلك التربية لا يترك فرصة من الفرص التي يستفيد منها النبي إلا اغتنمها وبصّره بأحوالها..
* خطبة أبو طالب في زواج النبي صلى عليه وآله وسلم*
لما حضر رسول صلى عليه وآله وسلم لخطبة خديجة بنت خويلد، حضر معه أعمامه وعلى رأسهم سيدهم أبو طالب فيقول: "الحمدلله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضِئضئِ معدَّ(الضُّؤضؤ والضِّضئ:الأصل والمعدن)، وعنصر مضر، وجعلنا حضَنةَ بيته، وسُوّاس حرمهِ، وجعل لنا بيتاً محجوجاً، وحرماً آمناً، وجعلنا حكّام الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد لا يوازن به رجل إلاّ رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً..وإن كان في المال قلّ، فإن المال ظلٌّ زائلٌ، وأمرٌ حائلٌ، وعارية مسترجعة، ومحمدٌ من قد عرفتم قرابته.. وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها ما عاجله وآجله "كذا"…… وهو و بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليلٌ جسيم." والخطبة نلتمس منها ما يُقرّه أبو طالب:
افتتح مقاله بحمد الذي جعلهم من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل..فكانوا عنصراً ممتدا للحنيفية البيضاء ولم تدنسهم منهم الوثنية المنحطة. إشادته بقيمة ابن أخيه المعنويه… فهو الراجح الكفة في ميزان القيم والمعنويات وليس من يدانيه في صفاته ومزاياه.
تأكيد أبو طالب على انتساب النبي إليه "ومحمد من قد عرفتم قرابته".
الإقرار والإيمان بالنبوة والقسم بشأن النبي العظيم "وهو و … له نبا عظيم". الارتقاب والإعلان بالخطر الجليل الجسيم وهو الرسالة وهداية محمد صلى عليه وآله وسلم للبشر وختم صفحة النبوة.
* الدعوه المحمديه *
بأمر من عز وجل: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(الشعراء/214).
يعلن رسول صلى عليه وآله وسلم لعشيرته بني عبد المطلب دعوته للإسلام.. ويتجه لعمه أبو طالب الذي يعده بنصرة رسالته، ويشجعه ليمضي قُدما: "أخرج ابن أبي فإنك الرفيع كعباً والمنيع حزباً والأعلى أباً.. و لا يسلقك لسان إلاّ سلقته ألسن حداد واجتذبته سيوف حداد.. و لتذلنّ لك العرب ذل البهم لحاضنها". ولو لم يكن أبو طالب ذلك المؤمن بالدعوة لرأيناه ينهى ابنه عليّاً عن الانصياع لها، إلاّ أنه قال لابنه:
"أما إنه لا يدعوك إلاّ إلى خير، فالزمه".
وذلك حين رآه يصلي خلف الرسول وقد اختفيا حذرا من المشركين.
وإنه ليرى الرسول يصلي مرة أخرى وعليٌّ عن يمينه، فيقع منه النظر على ابنه جعفر ويهتف به: "صِلْ جناح ابن عمك. فصلِّ عن يساره"
::
:
يتبع