زهراء.. أبهظني الغرام وهدني كمداً وحسرَه
فكتمت ناراً كلما خمدت، زكت لهباً وجمره
ورجوت طه أن يمس الجرح لطفاً منه مرّه.. !
وسألت آل محمد مدداً وميسرة ونُصره
وبذلت في إرضائهم ما لا يكاد يُعدّ كثره
وهو القليل بحقهم حتى ولو ضاعفتُ قدره !
يا زهو أرحام النبي، ونسله الباقي، وذكْرَه
يا شمس بيت الوحي، يا إصباحه الزاهي، وفجرَه
يا قبلة المقصود، يا أركان كعبته، وحِجْرَه
أنا طائف بين القواعد والمقام أبرّ نذرَه
دارت به الدنيا، فدار مطوّفاً سبعين دوره !
وسعى إليك ملبياً ومخضباً بالشوق نحره
وأقام في عرفاتَ يزدلف المشاعر والمبرّه
ورمى الجمار مكبّراً ومكسّراً في النفس جمره
ومشى إلى البيت الحرام، محلّقا في العيد شَعره
وأحلّ من إحرام حج ساغ زمزمه.. وعُمرَه
أدى مناسك حبكم فترقرقت في العين عَبره
يا ويح من عاداكمُ متولياً بالاثم كِبره
فلتت «لحبترَ» بيعة لم يخرجوا منها بعبره
لكنّ «قنفذهم» تقمصها وأولى الناس ظهره
لم يشفه ضلع البتول، فأتبع النكراء فجره !
وأراد كل الدين، أمّته، وسنّته، وذِكره
فاذا اشتفى من هاشم وأصاب سهم الموت سَحْره
عهدوا «لنعثلَ» بعدما حفروا «لذي القرنين»حُفره
صُرفت عن «النبأ العظيم»، ولدغة الثعبان فطره !
حتى إذا قصدته مذعنة، ملبّيةً، مقرَّه
نكث البغاة، وأعمل الطاغوت حيلته ومكره
كم من مريد عُمرةً لم يرتحل إلا لغدْرَه !
ومشت «أميةُ» في الورى تقضى بما تهوى ويكره
واستقطبوا «شيخ المَضيرة» مغدقين عليه أجره
حدّث «أخا دَوْس»، فانك ذو مخيِّلة وخبره
واسلك سبيلاً مُهّدت فمسالك الامجاد وعره
حدّثْ.. فانّ الاصفر الرنّان لا تعدوه قُدره !
حدّث.. وآتيناك أطياناً، وقفطاناً، وإمره
حدّث.. فما «قصر العقيق» أقلَّ من «قصر المعرّه».. !
حدّث أيا شيخ الرواة، ولا تصن للدين عوره.. !
حدّث أيا فأر الحديث ! فكله من وحي هرّه !!
حدّث.. فكيسك لا يعي إلا أبو سفيانَ قَدره !
حدّث.. فداهية الشآم تحكمت يده بشعره !
دلِّسْ.. !! فلا حرجٌ إذا بلغت صحاح الزيف عشْره !
ما أعجبَ التاريخ.. يُروَى مسنداً لابي هريره !!
يا نبتة الروض النديّ، وتُربَهُ الزاكي، وبَذرَهْ
يا نسمة الدوح الوريف، ونبعه الصافي، وعطره
أنا شاعر.. يا كعبتي أهدى لال البيت شعره
سكرت قوافيه، فكنتم كأسه الوافي وخمره
هو من أحبّ ذوي الرسول، فَعُدّ هذا الحب وزرَهْ !!
وهجاه قوم يحسبون ولاء ذي القربى معرّه !
وقلاه أعراب الزمان، وأعلنوا في الارض كفره
وكأنهم لم يكفهم أن صادروا في الحقل بُرّه
فتكالبوا ليصادروا حتى عقيدته وفكره
جهلاَ بأن مع الفتى حججاً تسدّده وعتره !!
زهراءُ، إني عاشق أبلى بسوح العشق دهرَهْ
ومضى إليكِ مخلّفا بددًا فصيلته ومصرَه
مهدت أسبابَ الوصال، مودة فيكم... وهجره
أنا مدنف ذاعت له في محفل العشاق شهره
عاقرت فيه سلافتي فغدوت أوحده ووترَه
ورأيت طيفك في المنام، فكنت شامخةً وحُرّه
تتألقين من الجلال، وفي المحيّا الغضّ حُمره
وعليك تاج من كرامات الرسالة فيه دُرّه
ورأيت جنبك أحمداً وابنيْه جنبكما، وصِهرَه
لقد استقر الطُّور بي فرأيت وجه جهره !!
يا بنت خير المرسلين، تحنني جوداً وأُثْرَهْ
مُضناكِ أنحله الجوى وتجرع الالام مُرَّه
وبراه داء الوجد حتى شفّ مثل غشاء زهره
ودهته أوصاب الحياة، وشقّت العذال قبره
لكنه ألف العواصف والسماءَ المكفهرّه
وترصّد الانواء معتدًّا ومشتدًّا كصخرَه
ومضى يؤم المجد منتفضاً وملتهباً كثوره
ويبدد الظلماء نجماً بث في الافلاك سحره
يمضي.. ولا يهتم أن الشيب سيف فلّ عمره
أرزاؤه أخنت عليه، فأنقضت كالوزر ظهره
وأسَفَّت الدنيا فلم يفقد لما أبدته صبره
عبست، فلم يعبأ، وجرد لليالي الدهم صدره
كرّت، فأقبل بالمهنّد، يَمنة يفري ويَسره
واعتزّ، لم يُعط الدنيَّةَ، فانثنت لتغرّ غيرَه !!
زهراء.. شدّي للفتى المحفوف بالبأساء أزرَهْ
عَشرٌ وعشر، فوقها عشرون، في يُسر وعُسره
فحفظت عهداً قد عهدت على المسرّة والمضرّه
ونذرت قلبي للهوى وإليك قد سلمت أمره
وتشيعت لكِ مهجتي من قطبها حتى المجرّه
راقت رقائقها، فرقّت، وارتقت طوبى وسدره
وتضاءلت حتى غدت في لجة الفانين قطره
فتفتتت ذَرًّا، وبادت ذرةً من بعد ذره
باباً تراه إلى الشفاعة موصلا.. قصدتك عَبره
ولعلها تدنو إلى وادي المنى، وتزيح ستره
يا دفقة الحب المؤلّه، واختلاجته، وسرَّه
مُنّي عليَّ بنظرة فيها الرضا، أو بعض نظره